الخطبة وطلبة العروس في حوران
العرس هو من أهم الطقوس الإجتماعية والإحتفالية في محافظة درعا في سورية، والتي تعد من مواسم الألفة ولمّ الشمل وإكرام الضيف وإظهار التكافل الإجتماعي بأبهى صوره. ومازال العرس يحتفظ بتقاليده وعاداته الأصيلة، من طريقة البحث عن العروس والخطبة وعقد القران ومواعيدها و ظروفها، إلى المهر والجاهة وتقديم الطعام للضيوف، بالإضافة للأغاني والأهازيج والدبكات الخاصة بهذه المناسبة التي لم تختلف بمرور الزمن، إضافة إلى التزامها بعادات الزواج الدينية حسب الديانة.
العرس في اللغة هو حفل الزفاف أو التزويج، لكن هناك عدة مراحل أو خطوات يقوم بها العريس والعروس وأهلهما حتى الوصول إلى العرس بحسب التقاليد المتوارثة في محافظة درعا. حيث تبدأ بالبحث عن عروس من قبل الشاب والتي تتم بطريقتين:
قديماً كان الشاب يختارالفتاة التي يراها مناسبة له على نبع الماء "العين" الموجود في القرية، خاصة أن جميع فتيات القرية يجتمعن هناك لتنظيف الملابس وتعبئة الماء، لذا يمكن تشبيه "نبع الماء" بالمسرح الذي يتيح للشباب مشاهدة الفتيات واختيار إحداهن، ومن أشهر عيون الماء التي كانت مسرحاً للخطبة "عين الطويلة" و"عين أم الجلود".
أما الطريقة التقليدية الثانية التي كان الشباب يعتمدونها في اختيار زوجاتهم فكانت عن طريق "حفل زفاف" أحد الأقرباء أو الأصدقاء، حيث كان الشباب يجلسون في جهة والفتيات على الجهة المقابلة لهم.
وبعدها يكلف الشاب والدته وإحدى قريباته من النساء في الذهاب لمنزل الفتاة، بعد أن يكون تأكد من أنها جميلة وملمة بجميع الأعمال المنزلية، حيث تذهب أم الشاب وخالته إلى منزل الفتاة ويجلسن معها ومع والدتها. بعدها تخبر الأم والد الشاب أن الفتاة مناسبة، والذي بدوره يرسل أحد الرجال للسؤال عن إمكانية القيام بزيارة لشرب فنجان من القهوة عند أهل العروس.
تبدأ الخطبة بذهاب الجاهة وهي مجموعة من الأشخاص المهمين من بينهم مختار الحي إلى بيت أهل الفتاة المراد خطبتها. يذهب والد العريس مع بعض الأقرباء والوجهاء في موكب "الجاهة" إلى بيت العروس لطلبها من أهلها، فيقوم أهل الفتاة بصب القهوة المرة للجاهة فيضع " رئيس الجاهة " فنجان القهوة على الأرض دون شرب محتوياتها فيفهم أهل الفتاة أن هناك طلباً ما للجاهة فيقول رئيس الجاهة لولي أمر الفتاة نحن " دايسين بساطك وطالبين قربك ونسبك ونريد بنتك فلانة زوجة لابن فلان على سنة الله ورسوله"، فإذا كان ولي أمر الفتاة موافقاً يقول " اشربوا قهوتكم تراها اجتكم مافيش عندنا أحسن منكم واللي جيتو ميشانه بتعودو بيه".
ثم يأتي أهل العريس بذبيحة أو أكثر ويدعون الأهل والأقارب والأصدقاء على الغداء في بيت أهل العروس وتعلن الخطوبة رسمياً بعد أن يتفق الطرفان على المهر. والمهر كلمة من أصلها "ماهار" انتقلت إلى العربية وكانت تعني ثمن المرأة. و يسمى أيضاً "السياق" وسبب التسمية هو أن المهر قديماً كان يقدم على شكل مجموعة من المواشي كالجمال والأبقار وكان العريس يسوق هذه المواشي إلى ديار أهل العروس ولذلك سمي المهر بالسياق ويُطلق على المهر أيضاً في حوران اسم الصداق أو النحلة وكلاهما تسمية إسلامية. وتحديد المهر يجري بالإتفاق بين الطرفين ويبارك الطرفان لبعضهما ويتفق الطرفان على مقداره. والمهر بين الأقارب أقل من مهور الغير فما يدفعه ابن العم كمهر لابنة عمه أقل بكثير مما لوكان العريس من عائلة أخرى.
والمهر في حوران قديماً هو عبارة عن مواشي أو حبوب أو مال أو قطعة أرض وهو معجل ومؤجل ويأخذ الوالد أكثر من نصف المهر ويجهز ابنته بالمبلغ الباقي وأحياناً يجري الإتفاق على أن يأخذ والد العروس مبلغاً معيناً من المال له ومبلغاً ثمناً للجهاز ومن المتممات للمهر ثمن عباءة العم وعباءة الخال وهدية أم العروس التي ما تكون غالباً خاتماً من الذهب.
وبعد إتمام مراسم الخطبة يتم عقد القران وقد يكون ذلك يوم الخطبة أو في يوم الزفاف حيث يقوم الشيخ أو المأذون بعقد القران في منزل أهل العروس أو يتم في الكنيسة.
ويتم ذلك بدخول الشيخ أو الخوري وولي أمر العروس أو وكيلها والشهود إلى غرفة خالية من الناس وذلك خوفاً من الحسد ليخرجوا بعدها معلنين خطبة فلان على فلانة فتصب القهوة المرة وتوزع الحلويات بهذه المناسبة. وفي اليوم التالي يوجه والد العريس دعوة إلى العروس وأهلها لتناول طعام العشاء في منزله وبعد تحديد يوم الزفاف تبدأ الاستعدادات له.
حيث تقوم العروس بشراء "الجهاز" الذي يشمل احتياجاتها المنزلية والتي تشمل الملابس والأثاث والفراش والبسط والحصر وبعض الأواني المنزلية والصندوق الخشبي الملبس بالتنك الملون والذي يستعمل لخزن الملابس والحاجيات الأخرى إضافة إلى استعمال سطحه لطي الفرشات واللحف والمخدات والشراشف، كما تشمل تجهيزات العروس مرآة كبيرة وزوجاً من القطيفة وقلادة من الليرات الذهبية والعرجة والتراكي والحزام والخواتم الذهبية والأساور، ويقع عبء شراء الجهاز على عاتق والد العروس الذي استلم كامل المهر.
وفي حوران عادة شراء الألبسة أو الكسوة وهي تسبق شراء الجهاز وتقع على عاتق والد العريس والعريس وتشمل الملابس الجاهزة والأقمشة والحطات النسائية المقصبة بخيوط الذهب وغيرها من الملابس تقدم كهدايا بمناسبة العرس إلى شقيقات العريس وعماته وخالاته وإلى بعض المقربات من أهل العريس، وقد تهدي العروس لعريسها بعض الملابس كهدية قبل الزواج أيضاً.
وقبل الزواج بأيام قليلة ينقل جهاز العروس من بيت أهل العروس إلى بيت أهل العريس ويتم ذلك جهاراً نهاراً أمام الناس، ويعود أهل العروس في اليوم الثاني إلى بيت أهل العريس لترتيب الأغراض في أماكنها ويتناولون طعام العشاء ويعودون إلى بيوتهم