منتدى حوران دوت كوم منتدى حوران دوت كوم
random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

متى فَكّرَ الحارِّي بالسفر والعمل




متى فَكّرَ الحارِّي بالسفر والعمل

متى فَكّرَ الحارِّي بالسفر والعمل


بقلم الأستاذالصحفي وليدالعودة



لطالما كُنتُ أسأل هذا السؤال للكثيرين من الأصدقاء والأقارب من أبناء بلدتي الحارِّة ومن بينهم أهلي عندما كُنتُ في المرحلة الثانوية وقد سمعتُ منهم الروايات الكثيرة ومعظمها كانت صحيحة عن فترة الهجرة والسفر خارج إطار البلد والوطن بهدف العمل والإرتزاق بعيداً عن كار الفِلاحة وزراعة الأرض والتي لم تكن تجني هَمّها بل كان الناس يعيشون حياة أوّل بأوّل بانتظار البيدر وجني المحصول

وكما نعلم فالمجتمع القروي مُتماسك بطبعه ويُحِبُّ الأرض والعمل فيها بالرغم من مشاقّها وتعبها

يقول أحدهم من بلدي

هاي الفلاحة يامرزوق حَرث ودَرس وكُبُر هَم

في العموم لم يكن أحدٌ من أهل حوران يهوى المغامرة والسفر

وبالنسبة لأبناء الحارِّة أقصى سفر عندهم الذهاب إلى الشام والمبيت في أوتيل ذات النجمة الواحدة ليعود بعدها مبهوراً ومسحوراً بما رآه

وقليلٌ من أبناء الحارِّة من تركَ أرضهُ وأهلهُ وسافر خارجها بعدَ أن عافَ الشقى والتعب والعذاب

وتاريخ ذلك يعود إلى العام ١٩١٤ أي بعد نشوب الحرب العالمية الأولى حينَ زجّت الدولة التركية شباب العرب في جبهات القتال المختلفة ليهربَ العديد من أبناء بلدتي راكبين عباب البحر وتحطُّ بهم الأقدار في البرتغال والأرجنتين وأميركا

ومن هؤلاء أذكر

عويد الوادي ومبارك رشيد القواريط وشقيق لفندي الحوامدة نسيتُ اسمه

وفي ثلاثينيات القرن الماضي أخذ شباب الحارّية بالتوجه إلى فلسطين بهدف العمل حيثُ كانت أجرة العامل اليومية نصف ليرة فلسطيني وكانت الليرة الفلسطينية تساوي أحد عشر ليرة سورية وهو مبلغ مُغري وخيالي في تِلكَ الأيام

فكان الحارّي يعمل مُدَّة أربعة شهور وقد تزيد ثُمَّ يعود و بجيبه مبلغٌ وفيرٌ من المال بل قل خيالي في ذلك الزمان البعيد

ومن أشهر شباب الحارِّة الذين عملوا في فلسطين أذكر محمد أمين البليلي أبو قاسم ومصطفى السحّار ومحمد أبو زيد أبو طالب

وعبدالعزيز علوش ومزيد الوادي

ولكن فرحة هؤلاء لم تكن تتم في كثير من المرّات والسبب في ذلك أنّهم كانوا يتعرّضون لِقُطّاع الطُرُق قبل دخولهم الحدود السورية وتحديداً عِندَ قرية القبّاعه فيقوم هؤلاء بسلب نقود العُمال الحارَّية وكذلك ثيابهم ويقولون لهم إسلموا بأرواحكم

في بداية الستينيات يسمع الناس بالكويت وأنّها منجم ذهب فيحزم أوّل حارِّي أمتعته وهو

عبدالله قنبس أبو هاشم رحمه الله وهو الذي أصبح مُختاراً لقرية الحارّة أواخر الستينيات ويتبعه أبو غسان القواريط وأبو الذهب من الجرادات ولكن الجو والحرارة العالية وعدم وجود المُكيّفات جعلَ هؤلاء يعودون من الكويت إلى غيرِ رجعه

هذا الأمر جعلَ شباب الحارَّة لايُفكرون بعدها بالسفر وبقي الأمرُ كذلك حتى العام ١٩٦٤ حين انفتح طريق لبنان بعدَ أن ارتاح هذا البلد من حروبه الأهلية التي بدأت عام ١٩٥٨ الأمر الذي شجّعَ الكثيرين من أبناء بلدتي للعمل في بيروت ولتُصبح بيروت مكان العمل المُفضّل للحارّية بل لكثير من الحوارنة من بقية القرى الأخرى

وهناك شاهدوا أشياءاً لم يكونوا يحلموا بها في حياتهم

نعم حيثُ الملاهي والمراقص والسينمات والمسارح والبحر الجميل ومنطقة الروشة

وساحة البُرج وشارع الحمرا وما أدراكَ ما شارعُ الحمرا

وشاعت الأغاني الكثيرة عن أيام بيروت ومنها

يا زهر التوتي يا زهر التوتي

طِريَت عبالي روحة بيروتي

خايف يابنت وهناك أموتي

القبر مشترى مُش مِثل هُونا

نعم صاحب هذه الأغنية كان هكلان هم مشتراة القبر إذا مات

ولاننسى بالطبع أنَّ المكاتيب والمراسيل والرسائل كانت من وسائل الإتصال والتقارب بين هؤلاء العمال وأهاليهم

أما الشيء اللافت أن عائلة هذا العامل أو ذاك تشتري كل شيء بالدين ويقولون للدائن

منسدّك تايرجع الصبي من لبنان

يذهب الشباب إلى بيروت وأغلبهم يعملون عتّاله أو في معامل الدباغة وما شابه وأكبر واحد فيهم لايحصل على ٤٠٠ ليرة لبناني على مدى خمسة أو ستة شهور يعود بعدها إلى البلد ويسد منها ديون عائلته خلال غيبته ويبقى في البلد حتى ينفذ آخر قرشٍ بجيبته ثم يسافر مرّةً أخرى وهكذا دواليك

والشيء المُستغرب أنَّ هؤلاء لم يفكروا باحتراف مهنةٍ ما غير العتاله باستثناء القليل منهم الذين فتحوا بقاليات صغيرة أذكر منهم

كامل الموال وسليم الفروح وأبو رياض الحوامدة

بقيت بيروت المكان المفضّل لأبناء الحاريّة حتى أوائل سبعينيات القرن الماضي

لتتوجّه الأنظار هذه المرّة صوب السعودية وهنا لم يقتصر الأمر على الحارّية فقط بل عَمّت أبناء حوران قاطبةً وخاصةً بعد أن سمعوا أنَّ يومية العامل مئة وخمسون ريالاً في حين كانت يومية العامل ببيروت لا تتجاوز العشر ليرات فقط

وعند وصول الشباب إلى السعودية عَمِلَ مُعظمهم في حمل التنكة والكريك وصب الباطون والقليل منهم من فكّر براتبٍ شهري أو تجارة بسيطة وكان الحِساب أو الأجر يُؤخذ على الوجهين سواء في العمارة أو الطينة بسبب قِلّة خبرة السعوديين في تلك الأيام

وعموماً لا أُبالغ إذا قُلت أن السعودية قامت على أكتاف الحوارنة في نهضتها العمرانية

والشيء الذي يحزُّ بالنفس أن إخواننا من تل منين كانوا جميعهم مُقاولون وهم أصحاب وأرباب العمل في حين أن معظم العمال الحوارنة بالسعودية ارتضوا لأنفسهم أن يظلوا عمالاً عاديين ولهذا فقد تعبوا أكثر من غيرهم للحصول على المال

وبموازاة العمل في السعودية بدأت دول الخليج الأخرى تستقطب أعداداً كبيرة من الحوارنة للعمل فيها

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنَّ شباباً من الحارّة دخلوا مجال التجارة في الخُضار والفواكه بدؤوها من سوق الهال في دمشق وانتقلوا بها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ومنهم على سبيل المثال أعمام زوجتي محمد الحوامدة أبو فيصل

وعدنان الحوامدة أبو طلعات وأصبحوا خلال سنوات التسعينيات من كبار التُجار في هذا المضمار حتى أنهم كانوا يزودون وزارة الدفاع الإماراتية بكل مايحتاجونه من الخضار والفواكه وحتى اللحوم أيضاً وشركتهم كان اسمها

الشركة العربية للخُضار والفواكه

كما لاننسى

رجل الأعمال الحارّي محمد فيصل الجراد الذي عمل بعدّة مجالات كالمقاولات وغيرها وأثبتَ جدارته بفضل حِنكته وحُسن إدارته

وبعدَ الأحداث الأخيرة التي جرت في بلادي

تفاقم الوضع وتدهورت الأحوال المعيشية على عموم أهلنا في داخل الوطن

فهاجر الشباب وعبروا البحار والجبال والبوادي ووصلوا إلى كل دول العالم بلا استثناء ولكن مالفت إنتباهي أن الجالية من أبناء الحارَّة وصلَ تعدادهم في بريطانيا إلى ما يزيد على الستة آلاف نسمه

بل أكثر من ذلك صارت لهم حارة كاملة بإسمهم في قلب لندن العاصمة البريطانية

ولا يستغرب أحدكم أن يتم إنتخاب حارِّي في مجلس العموم البريطاني

قولوا آمين

بقلم الأستاذ وليد العودة


                              

لمزيد من التراث الحوراني اضغط هنا      

لمزيد من التراث الحوراني اضغط هنا      

لمزيد من التراث الحوراني اضغط هنا      

عن الكاتب

منتدى حوران دوت كوم منتدى حوران دوت كوم

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

منتدى حوران دوت كوم